فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ} يعني أصرف قلوب الذين يتكبرون عن الإيمان حتى لا يؤمنوا.
فأخذلهم بكفرهم ولا أوفقهم بتكذيبهم الأنبياء مجازاة لهم.
ويقال: أمنع قلوبهم من التفكر في أمر الدين وفي خلق السموات والأرض الذين يتكبرون.
{فِى الأرض بِغَيْرِ الحق} يعني: يتعظمون عن الإيمان لكي لا يتفكروا في السماء، ولا يعقلون فيها، ولا يذكرونها.
ويقال: سأصرف عن النعماء التي أعطيتها المؤمنين يوم القيامة أصرف عنهم تلك النعمة {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} امتنعوا منها كي {لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد} يعني: طريق الحق الإسلام {لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} يعني: لا يتخذوه دينًا {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغى} يعني: طريق الضلالة والكفر {يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} أي دينًا ويتّبعونه {ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بآياتنا} قال مقاتل: أي بآياتنا التسع وقال الكلبي: يعني: بمحمد والقرآن {وَكَانُواْ عَنْهَا غافلين} يعني: تاركين لها.
قرأ حمزة والكسائي {سَبِيلَ الرشد} بنصب الراء، والشين، وقرأ الباقون {الرشد} بضم الراء وإسكان الشين وهما لغتان ومعناهما واحد. اهـ.

.قال الثعلبي:

{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} قال قوم: حكم الآية لأهل مصر خاصة يعني بقوله: {آيَاتِي} يعني الآيات التسع التي أعطاها الله سبحانه موسى عليه السلام.
وقال آخرون: هي عامة، وقال ابن جريج وابن زيد: يعني عن خلق السماوات والأرض وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والبحور والشجر والنبات وغيرها أصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها، وقال الفراء أي الغرباني: إنّي أمنع قلوبهم عن التفكر في أمري.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي قال: سمعت أبا سعيد محمد بن نافع السجزي بهراة يقول: سمعت أبا يزيد حاتم بن محبوب الشامي قال: سمعتُ عبد الجبار بن العلاء العطار قال: سمعت سفيان بن عيينة وسئل عن هذه الآية: أُحرمهم فَهْم القرآن.
سمعت أبا القاسم الحبيبي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال: سمعت العباس بن حمزة قال: سمعت ذا النون المصري يقول: أبى الله أن يكرّم قلوب الظالمين مكتوب حكمة القرآن {وَإِن يَرَوْاْ} يعني هؤلاء المتكبّرين.
قرأ مالك بن دينار فإن يروا بضم الياء أي يفعل بهم {سَبِيلَ الرشد} طريق الهدي والسداد {لاَ يَتَّخِذُوهُ} لأنفسهم {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي} يعني الضلال والهلاك {يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} وقرأ مجاهد وحميد وطلحة والأعمش وحمزة ويحيى والكسائي: الرشد، بفتح الراء والشين وهما لغتان كالسَقَم والسُقم والحَزَن والحُزن والبَخَل البُخل، وكان أبو عمرو يفرق بينهما فيقول: الرشد بالضم والصلاح في الأمر كقوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] والرشد بفتح بفتحتين الاستقامة في الدين، وقرأ أبو عبد الرحمن الرشاد بالألف وهو مصدر كالعفاف والصلاح.
{ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} لاهين ساهين لا يتفكرون فيها ولا يتعظون بها. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {سَأَصْرِفُ عَنْ ءَاياتي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: سأمنعهم من فهم القرآن، قاله سفيان بن عيينة.
والثاني: سأجعل جزاءهم على كفرهم ضلالهم عن الاهتداء بما جاء به من الحق.
والثالث: سأصرفهم عن دفع الانتقام عنهم.
وفي {يَتَكَبَّرُونَ} وجهان:
أحدهما: يحقرون الناس ويرون أن لهم عليهم فضلًا.
والثاني: يتكبرون عن الإيمان واتباع الرسول.
{وَإن يَرَوْاْ كُلَّ ءَآيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بها وإن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشُدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} فيه وجهان:
أحدهما: أن الرشد الإيمان، والغي: الكفر.
والثاني: أن الرشد الهداية. والغي: الضلال.
{ذَلَكَ بِأَنَّهُمْ كذَّبُواْ بِآَيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنَها غَافِلِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: غافلين عن الإيمان.
والثاني: غافلين عن الجزاء. اهـ.

.قال ابن عطية:

{سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض}.
المعنى سأمنع وأصد، وقال سفيان بن عيينة: الآيات هنا كل كتاب منزل.
قال القاضي أبو محمد: فالمعنى عن فهمها وتصديقها، وقال ابن جريج: الآيات العلامات المنصوبة الدالة على الوحدانية.
قال القاضي أبو محمد: فالمعنى عن النظر فيها والتفكير والاستدلال بها، واللفظ يعم الوجهين، والمتكبرون بغير حق في الأرض هم الكفرة، والمعنى في هذه الآية سأجعل الصرف عن الآيات عقوبة للمتكبرين على تكبرهم، وقوله: {وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} حتم من الله عز وجل على الطائفة التي قدر ألا يؤمنوا، وقراءة الجمهور: {يرَوا} بفتح الياء قرأها ابن كثير وعاصم ونافع وأبو جعفر وشيبة وشبل وابن وثاب وطلحة بن مصرف وسائر السبعة، وقرأها مضمومة الياء مالك بن دينار، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر {الرشد}، وقرأ ابن عامر في بعض ما روي عنه وأبو البرهسم {الرُّشد} بضم الراء والشين وقرأ حمزة والكسائي على أن {الرُّشد} بضم الراء وسكون الشين {الرَّشد} بفتحهما الدين، وأما قراءة ابن عامر بضمهما فأتبعت الضمة الضمة، وقرأ ابن أبي عبلة {لا يتخذوها} و{تتخذوها} على تأنيث السبيل، والسبيل تؤنث وتذكر، وقوله: {ذلك} إشارة إلى الصرف أي صرفنا إياهم وعقوبتنا لهم هي بكفرهم وتكذيبهم وغفلتهم عن النظر في الآيات والوقوف عند الحجج، ويحتمل أن يكون ذلك خبر ابتداء تقديره: الأمر ذلك، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بفعل تقديره فعلنا ذلك. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}.
في هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها خاصة لأهل مصر فيما رأوا من الآيات.
والثاني: أنها عامة، وهو أصح.
وفي الآيات قولان:
أحدهما: أنها آيات الكتب المتلوَّة.
ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أمنعُهم فهمها.
والثاني: أمنعهم من الإيمان بها.
والثالث: أصرفهم عن الاعتراض عليها بالإبطال.
والثاني: أنها آيات المخلوقات كالسماء والأرض والشمس والقمر وغيرها، فيكون المعنى: أصرفهم عن التفكر والاعتبار بما خلقتُ.
وفي معنى يتكبَّرون قولان:
أحدهما: يتكبَّرون عن الإيمان واتباع الرسول.
والثاني: يحقِّرون الناس ويرون لهم الفضل عليهم.
قوله تعالى: {وإن يروا سبيل الرُّشْدِ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: {سبيل الرشد} بضم الراء خفيفة.
وقرأ حمزة، والكسائي: {سبيل الرَّشد} بفتح الراء والشين مثقلة.
قوله تعالى: {ذلك بأنَّهم} قال الزجاج: فعل الله بهم ذلك بأنهم {كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} أي: كانوا في تركهم الإيمان بها والتدبر لها بمنزلة الغافلين.
ويجوز أن يكون المعنى: وكانوا عن جزائها غافلين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق}.
قال قتادة: سأمنعهم فَهْمَ كتابي.
وقاله سفيان بن عُيينة.
وقيل: سأصرفهم عن الإيمان بها.
وقيل: سأصرفهم عن نفعها؛ وذلك مجازاة على تكبّرهم.
نظيره: {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5].
والآيات على هذه المعجزاتُ أو الكتبُ المنزَّلة.
وقيل: خَلقُ السموات والأرض.
أي أصرفهم عن الاعتبار بها.
{يَتَكَبَّرُونَ} يَرَوْن أنهم أفضل الخلق.
وهذا ظن باطل؛ فلهذا قال: {بِغَيْرِ الحق} فَلاَ يتبعون نَبِيًّا ولا يَصْغون إليه لتكبّرهم.
قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} يعني هؤلاء المتكبرون.
أخبر عنهم أنهم يتركون طريق الرشاد ويتبعون سبيل الغيّ والضلال؛ أي الكفر يتخذوه دِينًا.
ثم علل فقال: {ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} أي ذلك الفعل الذي فعلته بهم بتكذيبهم.
{وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} أي كانوا في تركهم تدبّر الحق كالغافلين.
ويحتمل أن يكونوا غافلين عما يُجازون به؛ كما يقال: ما أغفل فلان عما يراد به؛ وقرأ مالك بن دينار {وإن يُروا} بضم الياء في الحرفين؛ أي يفعل ذلك بهم.
وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة {سَبيل الرُّشْد} بضم الراء وإسكان الشين.
وأهل الكوفة إلا عاصمًا {الرَّشَد} بفتح الراء والشين.
قال أبو عبيد: فَرّق أبو عمرو بين الرُّشْد والرَّشَد فقال: الرُّشْد في الصلاح.
والرَّشَد في الدِّين.
قال النحاس: سيبويه يذهب إلى أن الرُّشْد والرَّشَد مثل السُّخْط والسَّخَط، وكذا قال الكسائي.
والصحيح عن أبي عمرو غيرُ ما قال أبو عبيد.
قال إسماعيل بن إسحاق: حدّثنا نصر بن عليّ عن أبيه عن أبي عمرو بن العلاء قال: إذا كان الرُّشْد وسطَ الآية فهو مسَكَّن، وإذا كان رأس الآية فهو محرَّك.
قال النحاس: يعني برأس الآية نحو {وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10] فهما عنده لغتان بمعنى واحد؛ إلا أنه فتح هذا لتتفق الآيات.
ويقال: رَشَد يَرْشُد، ورَشُد يَرْشد.
وحكى سيبويه رَشِد يَرْشد.
وحقيقة الرشْد والرَّشَد في اللغة أن يظفر الإنسان بما يريد.
وهو ضدّ الخيبة. اهـ.